كيف تنظر العقيدة الإسلامية للموت السريري ؟
وما هو رأي الطب بهذا النوع من الحالات ؟
هل فكرة القتل الرحيم جائزة شرعا ؟؟.. عالم الصحة تقابل بين رأي الطب والعقيدة عبر مشاركة حول هذا الموضوع بين د. بسام يونس المحمد ( اختصاصي طب شرعي –حمص ) ، وبين الشيخ عكرمة الوزيني ( مدير قسم الدراسات الشرعية في جامعة صنعاء ) .
رأي الطبيب :الموت نهاية حتمية لكل كائن حي،ولكن هناك مراحل تفصل بين فترة انتقال الإنسان من حالة الحياة إلى حالة الموت وهذه الفترة قد تطول وقد تقصر، فقد تكون سريعة جداً كما في حالة الموت المباشر بعد السقوط من شاهق أو بعد أزمة قلبية حادة، وقد تكون طويلة كما في حالة الأمراض المزمنة والمنهكة وهنا يمر الشخص بمرحلة تدعي مرض الموت ثم الاحتضار ثم مرحلة توقف مفاجئ للتنفس مع ضعف شديد بالعضلة القلبية وهو ما يدعى الدور النهائي ثم يأتي دور النزة حيث يتوقف في نهايته التنفس ثم يتوقف القلب.
وباختصار: يكفي في الأحوال العادية لتشخيص الموت التأكد من توقف القلب والتنفس فترة كافية من الزمن لحدوث تغيرات غير قابلة للتراجع في الدماغ تمنع العودة للحياة، وتقدر هذه الفترة بمدة ربع ساعة.
وهنا نجد لزاماً من الناحيتين القانونية والطبية وخاصة الطبية الشرعية والأخلاقية أن نتحدث عن أنواع الموت:
الموت السريري ويدعي أيضاً الموت الوظيفي: وهو الطور الذي يمتد لعدة دقائق بعد توقف التنفس والقلب يمكن أن تصل ثمانية دقائق ويتميز هذا الطور بأن الأذية الدماغية قابلة للتراجع وبعده تدخل العضوية في حالة موت تدعى الموت الدماغي.
الموت الجسدي : ويقصد به أن الشخص يفقد إحساسه الذاتي بلا رجعة بمعنى أنه غير واعٍ وغير متجاوب وغير قادر على الاتصال مع محيطه وغير قادر على إدراك المنبهات الحسية وغير قادر على القيام بأية حركة إرادية بالرغم من أنه قد تستمر لديه الوظيفة التنفسية والقلبية بشكل عفوي ذاتي أو بمساعدة أجهزة الإنعاش الطبية أي تبقى أنسجة الجسم وخلايا حية ماعدا الخلايا العصبية المركزية.
الموت الخلوي أو الموت البيولوجي: وهو عادة يتبع الموت الجسدي ويتميز بتوقف نهائي لجميع العمليات الحيوية داخل الخلية بمعنى تموت الأنسجة داخل الخلية بكل ما تحويه من الخلايا علماً بأن موت الخلايا يختلف من عضو لآخر وهذا مرتبط بتأثر تلك الخلايا بنقص الأكسجين فالدماغ يموت خلال بضعة دقائق والعضلات تموت خلوياً خلال بضعة ساعات
الموت الدماغي: يمكن القول وبدون الدخول في كثير من الجدل أن الموت الدماغي يعادل الموت الجسدي وذلك بعد أن يفقد الدماغ فعاليته الوظيفية العصبية بشكل نهائي بسبب نقص الأنسجة الدماغية لفترة كافية من الزمن أو بسبب رض دماغي أو انتشار سمي والشخص هنا يكون بحالة سباتية أي أن جسده موجود وجهاز القلب والتنفس لديه يعملان بشكل عفوي أو بمساعدة أجهزة الإنعاش ولكن دماغه ميت فهو غير قادر على المبادرة وهو بالتالي خارج الحياة وقد تستمر هذه الحالة لبضعة سنين وفي هذه المرحلة يعتبر طبياً هؤلاء الأشخاص مرشحين للتبرع بالأعضاء على اعتبار أن الموت هو الدماغي ولا قيمة للحياة إذا كان الإنسان طريح الفراش ولا يملك الإرادة والمبادرة وغير قادر على الإحساس أو الاستجابة للمنبهات.
ومعظم السلطات القضائية في العالم الآن تعتبر أن الشخص الذي يحدث لديه تخرباً غير قابل للتراجع في جذع الدماغ يعتبر ميتاً بالمفهوم الجسدي وليس بالمفهوم الخلوي وهذا ما كان له اليد البيضاء في إطلاق ثورة جراحة نقل الأعضاء في العالم.
تشخيص الموت الدماغي:لتأكيد حدوث الموت الدماغي وبالتالي اعتبار الشخص ميتاً جسدياً فإنه يجب اعتماد المعايير التالية والتي يجب أن توجد جميعاً معاً في آن واحد والالتزام بما هو طبي وأخلاقي ومهني وعملي:
1ـ أن يدخل الشخص في سبات عميق ويفقد القدرة على الاستجابة لكل المنبهات كالقرص أو الوخز.
2 ـ أن يتوقف التنفس التلقائي لديه لمدة تزيد عن نصف ساعة على الأقل.
3 ـ أن تتوسع الحدقتين وتغيب جميع المنعكسات والمقوية العضلية لديه بشكل كامل.
4 ـ أن تنخفض حرارة الجسم والضغط الدموي لديه بشكل عفوي بالرغم من إعطاء الأدوية المناسبة.
5 ـ أن يحدث لديه مخطط دماغي كهربائي مسطح لمدة تزيد عن نصف ساعة بالرغم من إحداث منبهات سمعية وبصرية.
6 ـ أن يتم التأكد من توقف الدوران الدموي الدماغي لديه بإجراء تصوير ظليل للشرايين السباتية والدماغية وعدم ارتسام الشجرة الوعائية الدماغية لمدة تزيد عن نصف ساعة.
ومن هنا نرى أن تلك المعايير والشروط القاسية للحكم بأن الشخص أصبح خارج الحياة بعد حدوث الموت الدماغي لديه تكفل بأن تعطي قراراً طبياً علمياً وأخلاقياً بأن الموت قد حصل. وبالتالي لا مانع من نقل الأعضاء بتوفر الشروط التي تجيزها القوانين المرعية في تلك البلدان.
________________________________________
رأي العقيدة :بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد خير المرسلين
وخير ما نستهل به حديثنا هو الآيات العطرة من الذكر الحكيم في القرآن الكريم " كل نفس ذائقة الموت " صدق الله العظيم .
لقد وضع الخالق عز وجل سنن الكون على البداية والنهاية ، فجعل أول نبض في الجنين بعد اتفاق لقاء البويضة مع النطفة وتخصيبها ، بداية الحياة ، فالشريعة الإسلامية ترى مسؤولية الإنجاب سالفة حتى على الزواج ، فقد جاء في حديث خير خلق الله أجمعين محمد عليه الصلاة والسلام
" تخيروا لنطفكم " وفي هذا الحديث يبدأ أول حق من حقوق النسل المجتمع بلقاء الأب والأم ، باختيار البذرة الصالحة ، لتليها بعد ذلك الحقوق التي للجنين مذ تخلق في رحم الأم أو خارجه ، فتمنع الشريعة الإجهاض على العموم ، وتجيزه في حالة الخطر المحتمل أو المؤكد على حياة الأم .
الروح منذ لحظة التخلق شأن إلهي ، ولا يجوز التدخل فيه ، ومع حصول الولادة تبدأ مسؤولية الأب والأم بالرعاية ، فالشريعة الإسلامية لا تنظر للرضيع نظرة عدم اكتمال لحقوقه كما يفعل القانون البريطاني الذي يعتبر الرضيع قبل بلوغه اليوم الرابع عشر من ولادته ، طفلا بلا حقوق ، بل وكما أسلفنا يضع المسؤولية الشرعية والأخلاقية منذ بدء التخلق الأول بعد التلقيح .
كذلك يحرم الإسلام على الإنسان المسلم التصرف بجسده وروحه بعد انتقال المسؤولية له عن نفسه ، فالانتحار محرم ، بل وإلى ذلك يعاقب الله سبحانه وتعالى المنتحر عقابا شديدا يوم القيامة ، وما هذا إلا دلالة على حرمة التدخل بأمر إلهي كالحياة التي وهبها لنا جل وعلا .
وفي حالة الموت السريري الذي تؤول فيه المسؤولية عن حياة صاحب الحالة لشخص آخر من الأصول أو الفروع ، نجري قياسا يشبه المسؤولية عن الجنين أو الطفل كما سلف الحديث ، فلا يجوز لمخلوق أن يتخذ قرار إنهاء حياة إنسان ، وتحت أي مسمى ، فقضية القتل الرحيم التي يتدارسها الغرب بين الحين والآخر ، ليست عرضة للنقاش عندنا ، فالقتل الرحيم هو إزهاق لروح ،ويقع على من يقوم به ، الحكم بالقتل العمد ، وما هذا إلا لحكمة إلهية نعرف منها الآن :امكانية قتل أحد الأصول أو الفروع لغرض في نفس المجيز ( كالميراث أو ما شابه ) ، فالشخص الواقع تحت حالة الموت السريري لا يزال روحا لها حقوقها المحفوظة شرعا . من هنا وجب عدم التصرف بهذه الحقوق مهما شعرنا بالتعاطف مع صاحب الحالة ، فلسنا أرأف وأرحم به من خالقه عز وجل ، وهذا هو الرأي لدينا .
نسأل الله لنا ولكم الهداية وعدم التصرف بشأن من شؤونه ، والله الموفق .
والسلام عليكم ورحمة الله .
منقوووول